جبل قاسيون والصعود إلى مسجد الأربعين.. حكاية التاريخ وروحانية المكان

ما إن يدخل أي زائر لدمشق حتى يبحث بناظريه مباشرة عن أبرز معلم طبيعي وتاريخي في هذه المدينة، وهو جبل قاسيون الذي توالت عليه حضارات منذ آلاف السنين وأصبح مقصداً للباحثين والسائحين، وتغنت به العديد من قصائد الشعراء وكتابات الأدباء.

يحتل جبل قاسيون مكانةً خاصةً في التاريخ وفق دراسات الباحثين حيث كان مأوى للإنسان في العصر الحجري القديم، ولجأ إليه الكثير من الصيادين الذين استقروا في كهوفه،

ومع انحسار المياه ونشأة مدينة دمشق تعلم هؤلاء الصيادون الزراعة التي أسست فيما بعد لظهور مجتمع المدينة الأول في المنطقة حسب المهندس المعماري محمد البارودي.

معلم ديني على قمة الجبل

على قمة جبل قاسيون يتموضع مسجد الأربعين ذو الطابع الديني والأثري والذي يمثل تحفة معمارية تجسد عراقة المدينة ويمكن رؤيتها من مختلف ساحات دمشق، وتشير الدراسات إلى أن المسجد رُمم بشكل كبير في بداية الحقبة العثمانية، أما أساس البناء فيعود لزمن بعيد.

“في الماضي، كانت الرحلة إلى المسجد شاقة جداً حيث كان الزائرون يستقلون العربات للوصول إلى حي الصالحية الدمشقي، ثم يبدؤون رحلة الصعود عبر الطرق الوعرة والدرج الحجري للوصول إلى المسجد” يقول الباحث البارودي في حديثه لسانا

مضيفاً: “لا تزال رحلة الصعود حتى اليوم تختبر إرادة الزائر حيث يتسلق درجاً حجرياً يضم حوالي 750 درجة، في رحلة تستغرق نحو ساعة من الزمن تمر بمحطات ذات إطلالات روحانية، كما يصفها البعض، على أحياء دمشق”.

التاريخ المعماري لمسجد الأربعين

يوضح المهندس المعماري البارودي بعض التفاصيل المتعلقة ببناء مسجد الأربعين فيقول: “لم يتحقق لنا اليقين من الأشخاص الذين ساهموا ببناء المقام إلا ما ذُكر وفق الدراسات بأن من بناه هو أبو الفرج بن المعلم سنة 370 هجرية، ولكن مع تداخل الروايات التاريخية، يمكن القول إن بعض مواد البناء المستخدمة تشير إلى بدايات العصر العثماني، وبعضها لبدايات القرن الرابع الهجري.”

من جهته يشير الباحث في التراث الشعبي محي الدين قرنفلة في حديثه لسانا إلى تميز الموقع بالقول: “يتميز المقام بإطلالة بانورامية فريدة على مدينة دمشق، ويمتاز بهدوئه حيث ينعزل عن ضجيج المدينة ويتيح للزائرين جواً من السكينة والطمأنينة، تعززه شدة الهواء في العلو المرتفع للجبل”.

قصص وكنوز أثرية داخل المسجد

يضم مسجد الأربعين معاني وكنوزاً تاريخية نادرة حسب الباحث قرنفلة، أهمها مغارة الدم التي تحمل في صخورها حكايات أول جريمة قتل في التاريخ بين أبناء سيدنا آدم وفق الرواية،

وقصة “الأربعون محراباً” الموزعة في أنحاء المصلى الرئيسي والتي قيل إنها لأربعين شخصاً من الأولياء الصالحين الذين قضوا مدة من الزمن في ذلك المكان للتعبد، إضافة إلى النقوش والزخارف الإسلامية على الجدران التي تشهد على براعة الفن الإسلامي.

تكمن أهمية جبل قاسيون ومسجد الأربعين في كونهما جزءاً من الهوية التاريخية لدمشق إحدى أقدم المدن المأهولة في العالم، ما يجعلهما مكاناً بحاجة للعناية والاهتمام للحفاظ عليهما كمقصد سياحي وتراث تاريخي.

Exit mobile version