شهد قطاع تربية النحل في عدة محافظات سورية، خلال السنوات الأخيرة تحديات مختلفة، تداخلت فيها العديد من الظروف المناخية الصعبة مع الأوضاع الاقتصادية والبيئية التي مر بها النحالون وممارسات وإهمال النظام البائد، ما انعكس بشكل تراكمي سلباً على انتاجهم هذا العام.
موجات الجفاف
ورأى عدد من النحالين، في تصريحات لمراسل سانا، أن موجات الجفاف التي أصابت مساحات واسعة من الأراضي الزراعية، أسهمت في تراجع الغطاء النباتي، وإضعاف مصادر الرحيق التي يعتمد عليها النحل في إنتاج العسل، ما أدى إلى انخفاض كبير في الإنتاج، بحيث لا يتجاوز إنتاج الموسم الحالي ربع متوسط الإنتاج السنوي الطبيعي، وفق تقديرات المربين.
وأوضح النحال باسم خليفة أن الجفاف تسبب في نقص حاد بمصادر الغذاء في العديد من المراعي، الأمر الذي أدى إلى ضعف شديد في طوائف النحل، ونفوق أعداد كبيرة منها،
مبيناً أن الجفاف يقلل من توفر رحيق الأزهار وحبوب اللقاح اللازمة لتغذية النحل، ما ينعكس سلباً على قوة الطوائف وإنتاجيتها، ويؤدي إلى تدهورها في حال عدم توافر مخزون غذائي كافٍ، لمواجهة الظروف الطارئة.
انتشار المبيدات غير الآمنة
ولا يقتصر التحدي على التغيرات المناخية وحدها، إذ تواجه المناحل في بعض المحافظات خطراً بيئياً إضافياً يتمثل في انتشار المبيدات الحشرية غير الآمنة، ولا سيما المستوردة ذات الجودة الرديئة، في ظل غياب رقابة فعّالة على تداولها كما أشار النحال حسين زيدان،
مبيناً أن هذه المبيدات تسببت في حصول خسائر في القطيع، وصلت في بعض الحالات إلى نفوق مناحل كاملة، وتلوث العسل نتيجة انتقال المواد السامة من الزهور إلى الخلايا.
وهذه التحديات أدت وفق النحالين خليفة وزيدان إلى انخفاض كبير في الإنتاج وارتفاع تكاليف التشغيل، الأمر الذي دفع العديد من المربين إلى بيع خلاياهم، أو نقلها خارج البلاد، سعياً للتخفيف من الخسائر.
صعوبات التنقل
وأشار النحال فهد تركاوي إلى أن أحد أبرز الصعوبات التي كان النحالون يعانون منها خلال السنوات الماضية، التنقل بين المحافظات، وذلك بسبب كثرة الحواجز والأتاوات المفروضة من قبل النظام البائد، مما أضعف من قدرة المربين على نقل خلاياهم إلى المراعي المناسبة أو إنقاذها في المواسم العسيرة،
إلا أن واقع التنقل وفق النحال تركاوي شهد تحسناً ملحوظاً مقارنة بالماضي بعد التحرير، ما أتاح للمربين حرية أكبر في التحرك وتفادي بعض الخسائر التي كانت ناجمة عن هذه العراقيل.
صعوبات أخرى
وأوضح أحد نجاري المناحل محمود عيلوطي أن من أبرز التحديات التي كانت تحد من قدرة النحالين على توسيع مشاريعهم وتحقيق إنتاجية عالية، عدم استقرار أسعار سعر الصرف، ونقص بعض المعدات والأدوية الضرورية لمكافحة الأمراض، ودخول منتجات أجنبية غير مناسبة للعسل المحلي،
وارتفاع تكاليف المحروقات نتيجة استخدام الأمبيرات في ظل عدم استقرار وضع الكهرباء، وارتفاع تكاليفها، إضافة إلى تكاليف النقل بين المحافظات، ونقص اليد العاملة، مما يزيد من تكلفة الإنتاج، ويؤثر على أسعار العسل في السوق.
وأشار عيلوطي إلى أن تكلفة بدء مشروع تربية النحل مرتفعة نسبياً، حيث تتراوح أسعار الإطارات الخشبية التي فيها الشمع بين 7– 9 آلاف ليرة سورية، بينما يصل سعر صندوق التربية بطابق واحد مع عشرة إطارات وغطاء وغذاية إلى حوالي 450 ألف ليرة، أما صندوق التربية بطابقين فيصل سعره إلى نحو 750 ألف ليرة،
فيما تبلغ تكلفة الشمع البلدي الخام حوالي 100 ألف ليرة للكيلو الواحد، مقارنة بالشمع المستورد الأرخص، بينما تتراوح أسعار الأدوية لمتابعة صحة النحل حول مليون ليرة سورية للتر أو نصف اللتر، وغالباً ما يتم استيرادها من الخارج.
مطالبات للنهوض بالقطاع
وطالب النحالون خلال حديثهم لـ سانا بضرورة اتخاذ إجراءات فعّالة للرقابة على المبيدات غير الآمنة ودعم قطاع النحل بما يلبي احتياجاته، خاصة بعد ما خلفته الفترة السابقة من تحديات أثرت سلباً على الإنتاج، ولا سيما أن التنوع الجغرافي والبيئي في سوريا يتيح إنتاج أصناف مميزة من العسل،
ما يستدعي تشجيع الإنتاج المحلي وإعطاء الأفضلية للمنتجات السورية على المستوردة، إضافة إلى تسهيل وصول النحالين إلى المعدات والأدوية الأساسية، وتقديم الدعم للمهن الصغيرة في هذا القطاع عبر قروض ميسرة، وتخفيض تكاليف المحروقات والكهرباء، بما يسهم في تعزيز الإنتاجية وتحسين دخل النحالين.
إجراءات وزارة الزراعة
وأكدت رئيسة دائرة النحل والحرير في وزارة الزراعة إيمان رستم، في تصريح مماثل، أن وزارة الزراعة تولي اهتماماً خاصاً بالقطاع وأطلقت مبادرات لنشر التقانات الحديثة وتحسين الكفاءة الإنتاجية وجودة المنتجات، وتطوير البنى التحتية لمراكز التربية، وتنمية المراعي النحلية،
وأسست مخابر لدراسة العينات المرضية، وتحليل العسل ومنتجات الخلية، وتسهيل حركة ونقل الطوائف بين المحافظات وتنظيمها، وإنتاج طرود النحل والملكات من السلالات المحلية وبيعها بأسعار تشجيعية، وتقديم التسهيلات اللازمة للمستثمرين في هذا القطاع.
وبيّنت رستم أن خطة الوزارة للمرحلة القادمة تتركز على تطوير أداء المخابر والتشريعات، التي تضمن جودة المواد والمنتجات المحلية والمستوردة، بما يحقق التنافسية بالجودة وفق أهم المعايير العالمية والحفاظ على سمعة المنتج الوطني، وصون مصلحة المنتجين المحليين.
وأشارت إلى أن تربية النحل في سوريا تعد قطاعاً واعداً ومستداماً، يجمع بين الإرث الزراعي العريق والعلم الحديث، ويسهم في دعم الاقتصاد المحلي وتحسين سبل عيش الريفيين، لذا تحرص وزارة الزراعة على تنفيذ خططها لتطوير هذا القطاع وحماية النحلة السورية.
يذكر أن الإنتاج السنوي من العسل في سوريا بلغ خلال موسم 2024 نحو 3500 طن من أكثر من 532 ألف خلية نحل.
سانا
