تشهد اللاذقية هذا الموسم مناخاً استثنائياً من الجفاف، يعد الأسوأ منذ عقود، إذ تراجعت كميات الأمطار بنسبة غير مسبوقة قياساً بالأعوام الماضية، ورغم ذلك ما زالت خزان سوريا المائي..
لذلك لا بد من الاستعداد واتخاذ التدابير اللازمة لتجاوز المدة الفاصلة بين الصيف وموسم الأمطار المقبل الذي يبدأ في الشهر التاسع بحسب مديرية الأرصاد الجوية.
صحيفة الثورة استطلعت هذا الأمر مع المعنيين..
مدير الأرصاد في اللاذقية أيهم خير بك قال: لطالما كانت اللاذقية من أكثر المحافظات هطولاً مطرياً، تجاوزت في سنوات كثيرة المعدلات السنوية، لكن هذا العام كانت الأمطار قليلة جداً، وشهدت تراجعاً كبيراً، وانخفضت بنسبة 65 بالمئة إلى 45 بالمئة وهذا مؤشر خطير للغاية.
14 سداً
انخفض تخزين مياه الري في أغلب بحيرات السدود البالغ عددها 14 سداً مستثمراً، إضافة إلى مشروع ري السن، والسدود المنخفض تخزينها شملت سدي صلاح الدين، وبحمرا، في القرداحة، وسد الحفة، وكرسانا، وسد بيت القصير، والحويز، والجوزية، وسدي مشقيتا، وبللوران وتشكل أهم وأكبر السدود..
تبلغ نسب تخزين مياه الري ضمن بحيراتها 88 بالمئة من حجم التخزين الإجمالي عند امتلاء كافة بحيرات السدود.
مدير الموارد المائية في اللاذقية المهندس محمود القدار بيّن أن نسبة تخزين السدود في بداية موسم الري هذا العام 40 بالمئة، في حين كانت العام الماضي 80 بالمئة من السعة التصميمية في بداية موسم الري.
تحديد دورات الري
وأشار المهندس القدار إلى أنه بالنظر إلى الحجوم الميتة في بحيرات السدود التي لا يمكن الاستفادة منها والحجوم المخصصة لتزويد محافظة اللاذقية بمياه الشرب عن طريق محطات التصفية التابعة لمؤسسة مياه الشرب تبين أن الحجم المائي المتاح للري هو أقل من الاحتياج بكثير.
وأوضح أن لجنة الري الرئيسية عقدت عدة اجتماعات حددت خلالها عدد دورات الري لكل سد وفق المتاح المائي. وبالنسبة لـسد مشقيتا لا يمكن تنفيذ دورات الري نظراً لكون المخزون المائي المتاح التصرف فيه مخصصا لمياه الشرب عبر محطة التصفية في مخرج نفق عين البيضا.
وفي سد طرجانو يمكن تنفيذ دورة ري واحدة كاملة خلال الشهر السابع من هذا العام، واختارت اللجنة هذا الشهر للمحافظة على الأشجار المثمرة وذروة الاحتياج المائي فيه..
ويتابع القدار: بالنسبة للسدود السطحية نفذت اللجنة دورات ري نظامية حسب الطلب، وبالنسبة لنبع السن، كفاية غزارة النبع الحالية لتزويد محافظتي اللاذقية وطرطوس بمياه الشرب فقط والضخ على المنسوب 26 والمنسوب 11 بشكل متقطع وعند توفر الإمكانية والفائض المائي.
وبخصوص سد الحويز، أشار إلى تعبئته خلال شهر شباط من نبع السن عبر مشروع الضخ الشتوي، والكمية المتوفرة تكفي لريتين على شبكة السد الأصلية ورية واحدة على شبكات أخرى تتزود من المخزون المائي
بُرك على مجاري المسيلات المائية
وأوضح المهندس القدار أن المديرية تعالج الشح الكبير في الوارد المائي عبر حفر برك على مجاري الأنهار أو مجاري المسيلات المائية لتمكين المزارعين من استثمارها بعملية الري، وتم تنفيذ عدد كبير من هذه البرك في جبلة وبدميون باللاذقية بالتنسيق مع اتحاد الفلاحين والروابط الفلاحية في كل منطقة.
ونصح مدير الموارد المزارعين بعدم اللجوء إلى زراعات تحتاج إلى مقنن مائي كبير أو دورات ري متقاربة إلا عند توفر مصدر مائي خاص، والاستفادة من شبكات الري حسب الحاجة الفعلية فقط، وعدم إهدار المياه، لا سيما على الشبكات الطويلة ليتمكن الجميع من الري حسب المتاح، والتعاون مع الروابط الفلاحية في تحديد الأدوار والمحافظة على الشبكة.
يشار إلى أن المديرية تشرف على 14 سداً، بحجم تخزين تصميمي 366 مليوناً و450 ألف متر مكعب وشبكات ري حكومية، مكشوفة أو مضغوطة، بطول إجمالي تقريبي 3100 كم بهدف ري الأراضي بمساحة تقريبية 43000 هكتار وفق مقنن مائي يتراوح بين 0,5 و0,6 ل/هكتار/ثانية خلال موسم الصيف.
ينابيع عذبة إلى البحر
الخبير في الشأن المائي عمار ليلا أشار إلى وجود عوامل كثيرة ساهمت في الوصول إلى ما نحن فيه اليوم، فبالإضافة إلى نقص الأمطار هناك عوامل سياسية واقتصادية في ظل 14 عاماً من الحرب والحصار والفساد الكبير من قبل الحكومات السابقة في عهد النظام المخلوع كتنفيذ سدود لا جدوى منها،
ولا عمل ولا تخزن قطرة واحدة من الماء، ناهيكم عن التعديات والسرقات لخطوط الري بطرق غير مشروعة، والهدر وعدم الاستفادة من الينابيع العذبة الغزيرة التي تذهب إلى البحر هباء.
وأضاف: استنزفت أيضاً المياه الجوفية مع تزايد الطلب وحاجة سكان المناطق لغرض الشرب وسقاية المزروعات والأشجار بسرعة أكبر من قدرتها على التجدد الأمر الذي عجل بنقص المخزون وجفافه.
وأكد ليلا أهمية اتخاذ الإجراءات اللازمة لتدارك الوضع، بتحديث طرق الري وإقامة سدود جديدة بمواصفات حديثة وتشجيع الزراعات المقاومة للجفاف والبحث عن مصادر بديلة لمياه المطر.
تغير لون أوراق الشجر
المزارع علي الأحمد من قرية الأشرفية: نعتمد على الزراعة بالدرجة الأولى في المعيشة، ولديّ حوالي 20 دونما من الحمضيات بأنواعها تعطي عشرات الأطنان، ومن المعروف أن الحمضيات تحتاج لعناية كبيرة ومياه وفيرة،
ولم يسبق أن شهدنا جفافا للأرض مثل هذا العام، حتى إن أوراق الشجر تغير لونها، وبدأت بعض الأغصان تتحول إلى عيدان فارغة، وليس لدينا بدائل للتعويض في الري، ونقول العوض على الله، راجين الله عز وجلّ أن يبعث المطر غزيرا ووفيراً العام المقبل.
لم تعقد أزهار الزيتون
المزارع عبد الرحمن إسماعيل، من قرية رأس العين، قال: إن عملي في الزراعة مصدر رزقي الوحيد، ولدينا عشرات الدونمات من الزيتون ورغم أنه يتحمل الجفاف، لكن الأرض هذا العام لم تأخذ كفايتها من الماء، وبالتالي لم تعقد أزهار الزيتون، والموسم هذا العام يكاد يكون معدوماً.
فيما قالت السيدة دلال محمد من قرية اللوزية: منذ وفاة زوجي بدأت العمل في الزراعة المنزلية مع أولادي، وقد لاقى مشروعي نجاحاً كبيراً، وبالفعل بدأنا بالتوسع وقمنا بضمان مساحات أكبر لزراعتها بالخضار الموسمية كالبندورة والخيار والكوسا، لكننا نواجه اليوم صعوبات في سقايتها ولدينا تخوف كبير من الخسارة.
الحرائق تزيد الطين بلة
وتجدر الإشارة إلى أن الطبيعة تشهد تحولات كبيرة، لم تشهدها منذ عقود طويلة وبعد سلسلة الحرائق الكبيرة التي التهمت آلاف الهكتارات وعشرات آلاف الأشجار صار من الضروري قرع ناقوس الخطر والتنبه لما ينتظر المنطقة من مصير يهدد حياة المواطن وأمنه المائي والغذائي.
الثورة – فاتن حبيب
