تضاعفت خلال الأشهر الأخيرة أزمة التصوير الطبي في محافظة إدلب شمال غربي سوريا على نحو غير مسبوق، بعد خروج جهاز الرنين المغناطيسي في مستشفى إدلب الجامعي عن الخدمة نتيجة أعطال فنية متكررة،
ليعيد هذا التوقف المفاجئ تسليط الضوء على هشاشة البنية التشخيصية في المنطقة، وترك آلاف المرضى بلا خيار سوى التوجه إلى المرافق القليلة المتبقية القادرة على تقديم هذا النوع من الفحوص الحساسة.
وأصبح مشفى إدلب الوطني الوحيد الذي يضم جهاز رنين مغناطيسي يعمل فعلياً داخل المدينة، ما تسبب بحدوث ضغط غير مسبوق على قسم الأشعة فيه.
وهذا الواقع لا ينعكس فقط على سير العمل في المشفى الوطني، بل يفاقم أيضاً من معاناة السكان، إذ يضطر العديد منهم إلى السفر نحو مناطق ريف حلب أو دمشق لإجراء الفحص بأسعار أعلى وظروف أكثر مشقة.
وتشير شهادات المراجعين إلى أن حجز موعد للتصوير بات يتطلب الانتظار من ستة إلى ثمانية أسابيع، وهو زمن يعد كارثياً بالنسبة إلى المرضى الذين تحتاج حالاتهم إلى تشخيص سريع.
وقالت مفيدة العربو، وهي سيدة خمسينية قدمت من ريف إدلب الشرقي لإجراء تصوير لابنها المصاب بتشنجات دماغية، لـ”العربي الجديد”: “حجزوا لنا الدور بعد 58 يوماً، قالوا إنه لا يوجد مكان قبل هذا التاريخ. ابني يحتاج نتيجة التصوير ليبدأ علاجه، لكننا لا نملك ثمن إجراء الفحص في المراكز الخاصة أو السفر إلى المناطق البعيدة”.
أما أحمد الخطيب، وهو شاب يعاني من آلام شديدة في الظهر بعد إصابة عمل، فيوضح أن التأخير يزيد من تدهور وضعه الصحي،
ويقول: “راجعت المستشفى مرتين، وفي كل مرة يقولون إن الجهاز ممتلئ بالحجوزات، والأطباء طلبوا رنيناً مغناطيسياً بشكل عاجل، لكن لا يوجد مجال إلا بعد شهرين تقريباً”،
مضيفاً لـ”العربي الجديد”، أن العديد من المرضى يضطرون إلى الذهاب إلى مشافٍ خاصة في مناطق سرمدا أو عفرين رغم ارتفاع التكلفة هناك.
وتشير هبة السليمان، وهي معلمة من مدينة إدلب، وبحاجة لصورة رنين مغناطيسي متكررة لتشخيص مدى تقدم إصابتها بانزلاق غضروفي، إلى أن الوضع الحالي لا يشبه أي فترة سابقة،
وتوضح قائلة: “قبل سنة كان الانتظار لا يتجاوز أسبوعاً أو عشرة أيام، اليوم الوضع مختلف تماماً، الناس تتنقل بين المستشفيات بحثاً عن جهاز يعمل، وبعضهم عاد إلى منازلهم بلا نتيجة”.
من جانبه، يحذر الطبيب ياسر الأحمد، اختصاصي الأمراض العصبية في إدلب، من أن استمرار التأخير في إجراء فحوص الرنين المغناطيسي قد ينعكس مباشرةً على صحة المرضى،
ويقول لـ”العربي الجديد”: “نحن نتعامل يومياً مع حالات تحتاج تشخيصاً عاجلاً، وخصوصاً أورام الدماغ والإصابات العصبية والنزوف الداخلية، وأي تأخير في إجراء الرنين قد يغير خطة العلاج بالكامل، وقد يؤدي في بعض الأحيان إلى فقدان المريض لفرصة التدخل المبكر التي تُعَدّ حاسمة في هذه الحالات”.
وأضاف أن غياب الأجهزة الكافية يجعل الأطباء في موقف صعب، إذ “نضطر أحياناً إلى الاعتماد على فحوص بديلة أقل دقة، أو إحالة المرضى على مناطق بعيدة، وهذا يزيد من معاناتهم ويؤخر حصولهم على الرعاية المناسبة”.
وفي المقابل، يؤكد مدير صحة إدلب، الدكتور سامر عرابي لـ”العربي الجديد”، أن المديرية تعمل على معالجة الوضع ضمن الإمكانات المتاحة، ويكشف عن وجود خطة لرفد القطاع بأجهزة تصوير جديدة وتبديل القديم في الفترة المقبلة،
مبيناً أن تحسين القدرة التشخيصية يعد من أولويات القطاع الصحي في إدلب خلال العام المقبل. وحتى دخول هذه الخطط حيز التنفيذ، يواصل آلاف المرضى في إدلب الوقوف ضمن قوائم الانتظار الطويلة،
وسط مخاوف من أن يؤدي استمرار الأزمة إلى مضاعفات صحية إضافية، فيما تبقى الأجهزة المتقدمة قليلة والاحتياجات الطبية أكبر بكثير من قدرة المرافق الصحية على الاستجابة.
العربي الجديد- هاديا المنصور
